محاضرات عميد المنبر الحسيني

الجمعة، 25 مارس 2016

جورج جرداق الاديب المسيحي

جورج جرداق الاديب المسيحي






جورج جرداق الاديب المسيحي
جورج جرداق
1931 - 2014

توفي الكاتب المسيحي جورج جرداق في لبنان.و قد اشتهر الكاتب المسيحي بكتابات حول أمير المومينين فقد أثنى على الإمام و أغرق في حب سيد الوصيين.
عرف الأديب والشاعر جورج جرداق، بتأثره الکبير بشخصية الإمام علي بن أبي طالب (ع) واشتهر بکتابات حوله حتي غرق في حب الإمام الذي رأي فيه «صوت العدالة الإنسانية» .
ولد في قرية جديدة بقضاء مرجعيون بجنوب لبنان. درس في قريته ثم انتقل إلى بيروت ودرس في الكلية البطريركية وتخرج منها، عمل في تدريس الأدب العربي والفلسفة العربية في عدد من كليات بيروت، عمل كاتباً في عدد من الصحف والمجلات العربية ، يقدم برامج إذاعية في عدد من إذاعات لبنان لأكثر من عشرين عاماً.
عرف الأديب والشاعر جورج جرداق، بتأثره الکبير بشخصية الإمام علي بن أبي طالب (ع) واشتهر بکتابات حوله حتي غرق في حب الإمام الذي رأي فيه «صوت العدالة الإنسانية»، فعمد في سن مبکرة إلي کتابة موسوعته الشهيرة «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» من خمسة مجلدات تحت عناوين: «عليّ وحقوق الإنسان»، «بين عليّ والثورة الفرنسية»، «عليّ وسقراط»، «عليّ وعصره»، «عليّ والقومية العربية»، ثم أتبعها بمجلد سادس بعنوان «روائع نهج البلاغة».
في موسوعته يستشهد جرداق بمقولة للأديب اللبناني الراحل ميخائيل نعيمة: «يقيني أنّ مولف هذا السفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلي حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها، إلا أن تشهد بأنّها الصورة الحيّة لأعظم رجل عربي بعد النبي».
طبعت موسوعة «علي صوت العدالة الإنسانية» أربع مرات، في ثلاث دور نشر مختلفة خلال سنة واحدة، وتشير الإحصاءات إلي أنّ أکثر من خمسة ملايين نسخة طبعت منها حتي اليوم. وترجمت هذه الموسوعة إلي الفارسية والفرنسية والإسبانية والأوردية ـ لغة مسلمي القارة الهندية.
"علي بن أبي طالب هو في الحقيقة والتاريخ واحد، سواء عرفته أم لم تعرفه، فالتاريخ والحقيقة يُذعنان بأنّ له ضميراً حيّاً وقهّاراً ، وأبو الشهداء والأحرار، وهو صوت العدالة الإنسانية، وشخصية الشرق الخالدة.
يا أيّها العالَم، ماذا سيحدث لو جَمَعتَ كلّ قواك وقدراتك وأعطيتَ الناسَ في كلّ زمان عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذو الفقاره؟!"
نقلاً عن كتاب (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية).
وقال أيضاً: هل سمعت عن حاكم لم يُشبع نفسه برغيف خبز؟ لأنّ في بلاده من ينام وهو غير شبعان، وهل سمعت عن حاكم لم يلبس الملابس الناعمة؟ لأنّ في شعبه مَن يلبس الملابس الخشنة، فهو لم يكنز لنفسه حتّى درهماً واحداً؟! وأوصى أبنائه وأصحابه أن لا يتّبعوا سوى هذه الطريقة.
فحاسب أخاه لأخذه ديناراً واحداً غير حقّه من بيت المال، وهدّد وأمر بمحاكمة حكّامه بسبب رغيف خبز أخذوه من غني وأكلوه رشوةً؟!
کذلک کتب جرداق عن سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وقال في مولفه «رسالة الخالدين عن سيد شباب أهل الجنة»: 'حينما جند يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء کانوا يقولون له کم تدفع لنا من المال؟، أما أنصار الحسين (ع) فکانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة فإننا علي استعداد أن نقاتل بين يديک ونقتل مرات أخري'.
إلي جانب عمله الأدبي کتب جورج جرداق عددًا کبيرًا من القصائد الشعرية، وألف الکثير من الکتب منها: فاغنر والمرأة، عن الفيلسوف الألماني (ريتشارد فاغنر والموسيقي) وهذا الکتاب أدرجه عميد الأدب العربي طه حسين ضمن لائحة الکتب التي يجب علي طلّاب الدکتوراه في الأدب قراءتها بإمعان، ومن کتبه أيضًا قصور وأکواخ، صلاح الدين وريکاردوس قلب الأسد (رواية غرامية تاريخية)، نجوم الظهر، عبقرية العربية، صبايا ومرايا، وجوه من کرتون، حديث الحمار، حکايات. وله العديد من المولفات المسرحية. والکتابات النقدية.
جورج جرداق نجم من نجوم سطعت أنوارها في عالم الأدب والصحافة العربية، ومن رعيل الزمن الذهبي في الفن العربي، غيبه الموت يوم الأربعاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عن عمر يناهز 83 عاماً.واقيمت مراسم الجنازة الأولى من بعد ظهر يوم الجمعة في كاتدرائية مار نقولا للروم الأرثوذكس في الأشرفية، ثم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه في جديدة مرجعيون ليوارى الثرى في مدافن العائلة.

مَنْ ذا الَّذِي يُقرض الله - القرض الحسن






مَنْ ذا الَّذِي يُقرض الله - القرض الحسن

نص الموعظة القرانية:
قال الله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ1.

تمهيد
يُحيط القرآن بكلّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته، ويُهيّء له سُبلَ الوصولِ إلى أهدافهِ مهمَا تعدّدت تلك الأهداف، ومهما كثرت الصّعاب الّتي تُعيق حركة الإنسان في طريقه.
فإذا أراد الإنسان أن يُحاور أخيه الإنسان يُريه الله تعالى طُرق التّحاور فيقول له: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ2، وإذا قرّر الإنسان القيام بعمل ما، فيقف القرآن مُنبِّهاً له: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ3، فالله يراقب أعمالنا، ويدعونا إلى العمل وفق القوانين الّتي يضعها لنا، وهكذا يحدّد لنا القرآن البوصلةَ الّتي تُنير لنَا درباً مُشْرَّعاً وواسعاً للوصول إلى الغايات المنشودة.

ويوطِّد القرآن عُرى الرّوابط الإنسانيّة بين النّاس، فيحُثّهم على التّعاون فيما بينهم حيث يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ4.

القرض الحسن وآثاره الاجتماعية
القرآن الكريم دستورُ حياةٍ حقيقيّة، تَراه يُرصِّع لنَا مفاهيمَ مهمّة جداً لاستقامة حياة الإنسان، ومن هذه المفاهيم مفهوم (القرض الحسن).
قال تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ5.
وقال سبحانه: ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ6.

لنحاول معاً أن نَغْرفَ من ينبوع المعرفة، فنرى ما هو معنى القرض؟ ولماذا رَبط الله القرض بذاته المقدّسة؟ وما هو القرض الحسن؟ وكيف يُضاعف أضعافاً كثيرة؟ ولماذا يُضاعف بهذه الأضعاف؟

القرض في اللّغة: ما يَتَجازَى به الناسُ فيما بينهم ويَتَقاضَوْنَه، وجمعه: قرُوضٌ، وهو ما أَسْلَفَه من إِحسانٍ، والقِرْضُ بالكسر، لغة فيه حكاها الكسّائيّ7.

وفي الاصطلاح الفقهي عبارة عن: "معروف أثبته الشارع إمتاعاً للمحتاجين مع ردّ عوضه في غير المجلس غالباً"8.

فالقرض فعل خيرٍ، يؤدّيه الإنسان مع أخيه، وهو من البلاء الحسن.

والقرض يأتي بمعنى القطع، يعني يقطتع المقرِض من نفسه وماله ما يربطه بالمقترض.

أقسام القرض
وقد قُسّم القرض إلى قسمين:
1- قرض حاجة: وهذا لا يُتصوَّر في حقّ الله تعالى، فهو الغنيّ المطلق غير المحتاج لأحدٍ، والكلّ محتاج إليه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ9.

2- قرض ربحٍ: أي أنّ هذا المال المستَقرَض يرجع إلى المقرِض مع الرّبح الحلال، وهذا متصوّر في حقّه تعالى، وهو محور فكرة القرض الحسن، فيصرف المقرِض المالَ في المنافع العامّة، ومن ثمّ يعود النّفع إلى صاحبه، بشرط خضوعه للموازين الشّرعيّة.

والمعنى المراد في المقام: هو جميع ما يقدّمه الإنسان من أفعال خيّرة، ترجع منفعتها إلى النّفس أو المجتمع، وتعبيره تعالى بالقرض إنّما هو للتّنظير وتقريب الفكرة، وليس المراد القرض الاصطلاحيّ الّذي يُؤخذ لرفع الحاجة والعَوَز.

يُقرض الله تعالى
إنّما ارتبط القرض بالله تعالى في هذه الآيات الكريمة للحثّ والتّشجيع والتّرغيب على البذل والإنفاق في سبيل النّفس الإنسانيّة والمجتمع.

وتَتبيّنُ هذه الفكرة في قوله تعالى: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ10. فهذه الآية توضّح لنا المراد من القرض الّذي يقدِّمه الإنسان إلى النّاس على صعيد الفرد والمجتمع.

والدّليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرً، من جهة كون القرض تقدمة لنفس المقرِض عبر مساعدته للآخرين، فالمنفعة الحقيقيّة هي لصاحب القرض، وليس لمن طلب القرض والمساعدة!!

ولمَّا كانت رغبة الإنسان في الإنفاق ضعيفة بشكل عامّ، حثّ الله تعالى الإنسان على الإنفاق، ورَبَط القرض بذاته المقدّسة كتشجيع على فعل الخير، والبذل والعطاء لوجهه عزّ وجلّ.

ومن الأدلّة، ما في الخبر الصّحيح، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ أَقْرَضَ مُؤْمِناً يَلْتَمِسُ بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلَّا حَسَبَ الله لَهُ أَجْرَهُ بِحِسَابِ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ"11.

فالمؤمن عندما يقرض الله تعالى، هو في حقيقة الأمر يقدّم لنفسه الخير والأجر الجزيل الّذي يفوق كلّ أجرٍ آخر، فيعتبر القرض كالصّدقة من جهة رجوع الصّدقة إلى صاحبها مضاعفة، كذلك القرض يرجع إلى صاحبه أضعافاً كثيرة، وهو في بعض الرّوايات يتخطّى الصدقة بثمانية أضعاف، فالصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر!

ما هو القرض الحسن؟
كلّ قرض كان مُخلَصاً لله تعالى، أي: خالٍ عن الشوائب من الشرك، والرياء، والسّمعة، ومن المنِّ والأذى، وفيه الخير والمنفعة العامّة العائدة على الصّالح العامّ، فهو من القرض الحسن. من أجل ذلك علينا أن نتنبّه إلى كمائن الشّيطان الّذي لا يترك فرصة إلّا وينتهزهَا ليُوقِعنا في شرك الرّياء والسّمعة، فنقدّم المال لأجل أن نُذكر على المنابر، أو يقال انظروا إلى فلان وفلان ما الّذي قدّمه لبناء المسجد، وغير ذلك من الحبائل الّتي قد يَحيكها إبليس بطريقة يغفل الإنسان عنها!!

نعم، في بعض الأحيان قد يكون من باب التّشجيع للآخرين كي يقدّموا ويَبذلوا قروضاً حسنة، فهذا شيءٌ ممدوحٌ ومطلوب، ولكن لا بدّ من الاحتياط والالتفات إلى خدع الشّيطان الّتي تَقتنص كلّ فرصة لتسقطنا في حفر المعاصي والذّنوب، فنكون من الّذين يظنّون أنّهم يحسنون صنعاً، وما لهم في الآخرة من نصيب، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً12.

وفي هذا السّياق تُروى في سبب نزول آية الإقراض حادثة جرت مع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحد أصحابه، وهو أبو الدّحداح، وفيها من العبر ما ينفعنا، فإليك خلاصتها وعبرها:
"لما نزل: "مَنْ ذَا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إِنَّ الله يستقرضنا وهو غنيٌّ عن القرض؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم يريد أن يدخلكم الجنة به".
قال: "فإنّي إنْ أقرضتُ ربّى قرضاً يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟"
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم".
قال: "فناولني يدك"، فناوله رسوله الله صلى الله عليه وآله وسلم يده. فقال: "إِنَّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضاً لله تعالى".
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك".
قال: "فأشهدك يا رسول الله أنّى قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة".
قال: "إذاً يجزيك الله به الجنة".

فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أمّ الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:
هداكِ ربّي سبلَ الرشاد***إِلَى سبيل الخير والسداد
بيني من الحائط بالوداد***إفقد مضى قرضاً إِلَى التناد
أقرضتُه اللهَ على اعتمادي***إبالطّوعِ لا منٌّ ولا ارتداد
إِلَّا رجاء الضعف في المعاد***إفارتحلي بالنفسِ والأولاد
والبرُّ لا شكّ فخير زاد***إقدّمه المرء إِلَى المعاد


قالت أمُّ الدحداح: رَبِحَ بيعك! بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أجابته أمُّ الدحداح وأنشأت تقول:
بشّرك الله بخيرٍ وفرح مثلك أدّى ما لديه ونصح
قد متّع الله عيالي ومنح بالعجوةِ السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح


"ثمّ أقبلت أمُّ الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم، حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كم من عذق13 رداح ودار فياح (أي: واسع) لأبي الدحداح"14.

العبرة من القصّة
العِبر الّتي تستفاد من هذه الحادثة الحقيقيّة التي جرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة نشير إِلَى أهمّها:
- الغِنى المطلق لله تعالى، ومع ذلك يَستقرض الله من النّاس قروضاً حسنةً لمنفعتهم.
- جزاء القرض ليس مكسباً دنيويًّا بل هو جزاء أخرويّ، فالنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يدعو المؤمنين للتعلّق بالآخرة من خلال أفعالنا في هذه الحياة الدّنيا.
- تأكيد رسول الله (الصّلاة) على أبي الدحداح بأن لا يتصدّق بكلّ ما لديه، فيبقي بستان له ولعياله، ويتصدّق بالآخر. وإن كان البستان الباقي هو صدقة أيضاً، ولكن صدقة يجريها على عياله، فالبذل على العيال صدقة، وبذلك لا يصير أبو الدّحداح عالةً على غيره، فالتّواكل على الغير وطلب المعونة من الغير مذمومٌ عند الله تعالى.
- الزّوجة المخلصة لله تعالى تحثّ زوجها على فعل الخير وعلى الإقراض الحسن، ولا تصدّه عن أداء المعروف مع النّاس. وانظروا إِلَى المقام الَّذِي وصلته هذا المرأة، حيث إِنَّها بمجرّد ما سمعت من زوجها أَنَّه تصدّق بكلّ ما يملك بادلته الرضا والحثّ، وسارعت إِلَى أولادها أخذت تمر الصدقة من أفواههم، خلافاً لبعض نساء هذا العصر، حيث قد تبادر زوجها بالاعتراض والقطيعة.

فحريٌّ بنا جميعاً رجالاً ونساءاً أن نَعتبر من هذه الدّروس الّتي أعطانا إيّاها النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنْ نبذل ما لدينا في سبيل الله تعالى، ونكون من أهل القروض الحسنة.

فيضاعفه أضعافاً كثيرة
إنّ الله تعالى قد طلب منّا في أوّل هذه الآية الكريمة طلباً، فقال عزّ من قائل: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنً، ثمّ جاء الجواب من قِبَلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً، أنْ يَا عباديَ أجيبوني، فأعطيكم من العطاء المضاعف، ومن العطاء الكثير، ما لا عين رأت، فما تقدِّمه من قرضٍ لأخيك المؤمن لا يضيع عندي، بل يعود عليك بمنافعَ ليس لها إحصاء.

وهنا أشار بعض أهل اللّغة إلى الفرق بين الضّعف والذي هو أداء المثل وزيادة، وبين قوله تعالى (أضعاف)، فإنّ فيه تأكيداً على معنى الزيادة أكثر من كلمة (يضعّف)، لأنّ معنى ضعّفت، أي: ضعفت مرّتين، بينما ضاعفت، يعني جعلته مرّتين فصاعدا.

وفي الصحيح عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: "مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضُ‏ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ"15

فالقرض بثمانية عشر ضعف، والصّدقة أقلّ منه في الأجر والثّواب كما هو ظاهر الحديث الشّريف، ومع ذلك لم يكتف الله تعالى بذلك، فعقَّب التّضعيف بالكثير، أي أضعافًا كثيرة!!

فجزاء القرض الحسن أضعافاً كثيرة، وهذا الجزاء قد يختلف باختلاف مراتب الإخلاص في إعطاء القروض الحسنة، فتراة يكون بعشرة كما في قوله تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا...16، وتارة أخرى يكون بسبعمائة، كما في قوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ17.

هذا هو بعض جزاء من يقرض الله قرضاً حسناً، فالله يُعطي كلّ من يُنفق في سبيله الكثير الكثير، كمثل حبّة أنبَتت سبعَ سنابلَ، وكلّ سنبلة تُعطي مائة حبّة، وبعد ذلك يضاعف الله تعالى لمن يشاء من عباده أضعافًا كثيرة!!

يقبض ويبسط
بعد كلّ العطاء الّذي قرنه الله تعالى بذاته المقدّسة، وأنّ الّذي يقرض الله قرضاً حسناً يضاعفه له، علينا أن نبقى متيقّظين إلى أنّ ما نبذله ونقدّمه لا يساوي شيئاً أمام كرم الله تعالى علينا، ولا يُمكن في لحظة ما أن يقوم الإنسان بالتّفكير فيما بينه وبين نفسه أنّه قد فعل الكثير، وأعطى ما لا يمكن أن يعطيَه غيره.

من هنا كان تنبيه الله تعالى لنا عندما قال سبحانه: ﴿وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.

لكي نضع في بَالِنا ـ وبشكل دائمٍ ـ أنّنا مهما قدّمنا يبقى تقديمنا قليلاً جداً مقابل قدرة الله القابض والباسط علينا، من نعمة الخلق، والصّحة والعافية، والأمن، والأمان في كلّ شعب حياتنا، فالله عزّ وجلّ إذا أراد منعَ عنّا كلّ شيء، وإذا أراد أعطانا كلّ شيء...

فيا أيّها المؤمن! أقرض الله قرضاً حسناً يُضاعفه لك أضعافًا كثيرة جدًا، ولا تغفل عن أنّ الله سبحانه هو المعطي الحقيقيّ، وهو المانع الحقيقيّ أيضاً، فإذا أراد أن يُضَيِّق علينا منع عنّا الهواء الّذي نتنفّسه.

هذا، وإليه المرجع والمصير، والمبدأ والمنتهى...

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.
* كتاب وزدناهم هدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة البقرة، الآية: 245.
2- سورة النحل، الآية: 125.
3- سورة التوبة، الآية: 105.
4- سورة المائدة، الآية: 2.
5- سورة البقرة، الآية: 245.
6- سورة الحديد، الآية: 11.
7- انظر: لسان العرب، مادة (قرض).
8- الشهيد الأول، محمد بن مكي، الدروس الشرعية في فقه الإمامية، ج3، ص 318، نشر: مكتب النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين، الطبعة الثانية 1417، قم.
9- سورة فاطر، الآية: 15.
10- سورة المزمل، الآية: 20.
11- الشيخ الكُلَيْني، الكافي، ج 4، ص 34.
12- سورة الكهف، الآيتان: 103 - 104.
13- العذق (بفتح فسكون): النخلة. وبكسر فسكون: العرجون (الغصن) بما فيه من الشماريخ. ورداح: ثقيلة.
14- القرطبي، محمَّد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، ج 3، ص 238، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، نشر دار إحياء التُّراث العربي 1405، بيروت.
15- الشيخ الكليني، الكافي، ج 4، ص 33.
16- سورة الأنعام، الآية: 160.
17- سورة البقرة، الآية: 261.

الزهراء عليها السلام

الزهراء عليها السلام


الزهراء عليها السلام تجسيد الرسالة الإلهية


لابد للمبادئ من ان تتجلى في واقع حي ، وعندما هبطت الرسالة الخاتمة على قلب نبينا الأعظم ، إمام الهدى ، وقدوة الصديقين محمد صلى الله عليه وآله ، تجلت هذه الرسالة بعد هذا النبي العظيم في شخصية من الرجال ، وأخرى من النساء؛ فتجلت في علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي كان المثل الأعلى للقرآن ، وتجسدت كذلك في فاطمة الزهراء عليها السلام .
ان تجلي الرسالة في شخصية الرجل هي عملية يمكن فهمها واستيعابها ، لان الرجل يمتلك بحد ذاته قوة الكمال والاستعداد . ولكن عندما تصوغ رسالات الله عز وجل امرأة لتضعها في الذرى العالية ، والقمم السامقة ، فان هذا لمعجزة دونها كل معجزة .
وهكذا فإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام معجزة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والدليل الى الإسلام ، والهادي الى حقائق القرآن وعلومه . . فان فاطمة الزهراء عليها السلام ستكون الشاهدة الكبرى ، والدليل الأعظم . والى هذه الحقيقة يشير الحديث القدسي المروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري عـن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبـارك وتعالى انه قال :
" يا احمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولو لا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما " 1 .
ان امرأة ـ رغم ما جعل الله في طبعها من عوامل الضعف البشري ـ تتحدى كل هذه العوامل ، وتقطع كل صلة لها بالتراب ، وتقف من أول الليل وحتى الفجر لتدعو ولكن ليس لنفسها وإنما للآخرين ، وتقول لابنها الحسن المجتبى عليه السلام توصيه بالإحسان الى الجيران : " يا بنيّ الجار ثم الدار " 2 . هذه المرأة قد وصلت الى مرحلة من السمو والكمال ، بحيث إن الله تعالى باهى بها ملائكته ، وأولياءه ، وحملة العرش .

فاطمة عليها السلام مجد الرسالة الإلهية

إن فاطمة عليها السلام هي مجد الرسالة الإلهية ، وتجسيد لكل ما في القرآن الكريم من لطائف العبر ، ودقائق الفكر ، وعظمة الحق . . فلابد لكل رسالة من ان تقدم نموذجا ، ورسالة الإسلام هي أعظم رسالة ، فلابد أن يكون الأنموذج الذي تقدمه هذه الرسالة هو الأنموذج الأعظم ، فكانت فاطمة الزهراء عليها السلام التي هي قدوة لكل إنسان؛ ذكرا كان أم أنثى .
وهكذا تسامت هذه المرأة العظيمة نحو معالي القيم والأخلاق ، وذابت في الرسالة ، وتحولت من مجرد شخص إلى نموذج رسالي .
ان رسول الله صلى الله عليه وآله الذي جاء سراجاً منيراً ، وبشيراً هادياً ، ورحمة للعالمين . . كان يركز كل تعاليمه ، وبرامجه التربوية في ابنته فاطمة عليها السلام ، وعلي بن أبي طالب الذي ربّاه على يديه الكريمتين ، وإلا فكيف يمكن ان لا ينجح صلى الله عليه وآله في تربية فاطمة عليها السلام وهو الذي أثر في التاريخ ، وصنع أجيالا من المؤمنين الرساليين يعجز اللسان عن وصف سموّهم وطهارتهم ونقائهم . ولذلك فقد كانت الزهراء عليها السلام مقياسا وميزانا للعفاف ، ومثالا لتجلي الأخلاق الحسنة ، لأنها خلاصة التربية القرآنية ، وعصارة شخصية تمثل القرآن الكريم .
والقرآن الكريم ينقل لنا جانباً من حياة فاطمة وسلوكياتها في سورة كاملة ، هي سورة " الانسان " ، حيث تثني على فاطمة الزهراء لأنها ـ وهي ربّة العائلة وسيّدة البيت ـ هي التي حملت رغيفها في البدء ، ثم جمعت أرغفة أطفالها الصغار وهم صائمون لتعطيها خلال ثلاثة أيام متتالية الى المسكين واليتيم والأسير ، متجاوزة بذلك ـ في سبيل العقيدة ـ عواطفها وطبيعتها كأمّ تفضّل أطفالها على غيرهم ، وضاربة بذلك أروع الأمثلة في الذوبان في الرسالة الإلهية ، والاندماج فيها ، وتفضيلها على كل العلائق الدنيوية ، ولكي تقول للمرأة المسلمة ، ان المرأة بإمكانها اذا ما تربّت في أحضان الرسالة ، وعاشت في أجواء القرآن والوحي أن تتحول الى أنموذج في التسامي والتكامل وتحدي غرائز وعوامل الضعف في النفس البشرية .
بمثل هذه المواقف الرائعة جسدت فاطمة الزهراء قيم الرسالة ومبادئ الدين ، وبذلك أصبحت حجة بالغة على البشرية جمعاء

السبت، 19 مارس 2016

ﺟﻠﺲ ﺍﺑﻠﻴﺲ ﻳﻨﺼﺢ ﺍﺑﻨﻪ ﻗﺎﺋﻼ -:



ﺟﻠﺲ ﺍﺑﻠﻴﺲ ﻳﻨﺼﺢ ﺍﺑﻨﻪ ﻗﺎﺋﻼ -:





ﺟﻠﺲ ﺍﺑﻠﻴﺲ ﻳﻨﺼﺢ ﺍﺑﻨﻪ ﻗﺎﺋﻼ -:

ﻳﺎﺑﻨﻲ

ﻻﺗﻈﻨﻦ ﺍﻥ ﺍﻏﻮﺍﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﻴﺴﻴﺮ

ﺍﻏﻮﻩ ﺑﺎﻟﻨﻘﻮﺩ ﺍﺫﺍ ﻭﺟﺪﺗﻪ ﻓﻘﻴﺮ

ﻭﺍﻥ ﻗﺎﻡ ﻟﺼﻼة ﺍﻟﺼﺒﺢ ذﻛﺮﻩ ﺑﺪﻑﺀ ﺍﻟﺴﺮﻳﺮ

ﻭﺍﻥ ﺣﺎﻭﻝ ﺍﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻛﻬﻼً ﺍﻭ ﻃﻔﻼً ﺻﻐﻴﺮ

إﻏﻮﻩ ﺑﻘﺮﺏ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﺒﺎﺭﺍة ﻓﺮﻳﻘﻪ ﺍلأﺛﻴﺮ

ﻭﺍﺟﻌﻠﻪ ﺑﺮﺟﻠﻴﻪ ﻟﻠﻨﺎﺭ ﻳﺴﻴﺮ

ﺍﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﺰﺍﺭﻋﺎً ﻓﺎﻏﻮﻩ ﺑﺴﺮقة ﺍﻟﺤﻤﻴﺮ

ﻭﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻬﻨﺪﺳﺎً ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎلإﺳﻤﻨﺖ ﻭﺍﻟﺠﻴﺮ

وان كان مدرساً فليسرق الأقلام والطباشير

ﻛﻞ ﺍﺑﻦ ﺍﺩﻡ تحوي ﺭﻭﺡ ﺷﺮﻳﺮ

ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻔﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﺍلى ﺍﻟﻮﺯﻳﺮ

ﻓﻘﻢ ﻳﺎﺑﻨﻲ ﺍﻟﻲ ﻋﻤﻠﻚ ﻃﻴﺮ

فقال إبليس الصغير :

يا أبي و إن كان عربي

فبكي إبليس بكاء مريرا" و قال لإبنه:

يا ولدي لا تكن شرير

دع العربي فإن أمره عسير

إنه في دنياه يعيش في السعير،

دعه يا بني فعمره جداً قصير

وكفى أن عنده مسؤولين بلا ضمير

ما همهم إلا الدوﻻر والريال والدنانير

و عايش بظلام الليل المرير،

وﻻ رغد في الحياة وﻻ عيش وفير

وكل حياته شجار وفقر وتعتير

حتى خط النت عندو ثقيل حقير ...

ولما المواطن بيشهق بدون زفير

بكون شاف القبر سرير

و هناك بيحلم ينام للعين قرير

ألا يعرف قلبك الرحمة يا صغير...

حتى ابليس متعاطف مع العربي

مقدّمات الصلاة

مقدّمات الصلاة


الفرائض

الصلوات الواجبة، وهي:

1- الصلوات اليوميّة الخمس،‏ ومنها الجمعة، وقضاء الولد الأكبر عن والده1.
2- صلاة الطواف الواجب‏.
3- صلاة الآيات.‏
4- الصَّلاة الّتي التزمها المكلّف على نفسه بنذر أو إجارة أو غيرهما.
5- الصَّلاة على الأموات.

أوقات الفرائض‏

1- وقت الظهرين:

من زوال الشمس2 إلى غروبها، وتختصّ الظهر بأوّله والعصر بآخره.

2- وقت العشاءين:

أ- من المغرب إلى نصف الليل، وتختصّ المغرب بأوّله والعشاء بآخره.
ب- الأحوط وجوباً لمن أخّرها عن نصف الليل (لاضطرار أو نسيان أو عمد) الإتيان بها إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة3.


3- وقت صلاة الصبح:

ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

وقت الفضيلة

1- وقت الفضيلة للظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث من الشاخص مثله.

2- وقت الفضيلة للعصر من بلوغ الظلّ أربعة أسباع الشاخص4 إلى مثلين، بل لا يبعد أن يكون مبدؤها بعد مقدار أداء صلاة الظهر.

3- وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، وهو الحمرة المغربيّة.

4- وقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل.

5- وقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحمرة المشرقيّة.

ترتيب الفرائض‏

1- لو قدّم العصر على الظهر، أو العشاء على المغرب عمداً بطل ما قدّمه.

2- لو قدّم ما ذكرناه سهواً فهنا صورتان:

أ- إن تذكّر بعد الفراغ فيحكم بصحّة ما قدَّمه، ويأتي بالأولى بعده5.
ب- إن تذكّر في الأثناء فيعدل بنيّته إلى السابقة، إلّا إذا لم يبق محلّ للعدول كما إذا قدَّم العشاء، وتذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة فإنّ العشاء تكون باطلة، فيأتي بالمغرب ثمّ بالعشاء.

3- يجوز الإتيان بالصلوات المستحبّة، وصلاة القضاء في وقت الفريضة ما لم يتضيّق.

القبلة

1- يجب استقبال القبلة مع الإمكان في الفرائض، يوميّة كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز، وفي النافلة أيضاً إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار، أمّا حال المشي والركوب فلا يُعتبر.

2- تحدّد القبلة بـما يلي:

أ- العلم.‏
ب- البيّنة المستندة إلى المبادئ الحسّيّة.
ج- مع تعذّر العلم والبيّنة يبذل تمام جهده ويعمل على ظنّه6.
د- مع تساوي الجهات يصلّي إلى أربع جهات إن وسع الوقت7، و إلّا فبقدر ما وسع.


3- من صلّى إلى جهةٍ بطريق معتبر ثمّ تبيّن خطؤه فهنا صورتان:

الأولى: إن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين واليسار (أقل من 90 درجة) صحّت صلاته.
الثانية: إن تجاوز انحرافه عمّا بينهما (أي 90 درجة وما فوق) أعادها في الوقت دون خارجه حتّى مع الاستدبار، والأحوط استحباباً القضاء8.

الأحد، 3 يناير 2016

الاستعاذة بالله سبيل النجاة من الشيطان

الاستعاذة بالله سبيل النجاة من الشيطان

من دعاء أبي حمزة الثماليّ:"اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل والفشل، والهمّ والحزن، والجبن والبخل، والغفلة والقسوة، والذلّة والمسكنة، والفقر والفاقة، وكلّ بليّة والفواحش ما ظهر منها وما بطن. وأعوذ بك من نفس لا تقنع، وبطن لا يشبع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يُسمع، وعمل لا ينفع، وأعوذ بك يا ربّ على نفسي وديني ومالي وعلى جميع ما رزقتني من الشيطان الرجيم، إنّك أنت السميع العليم".

تمهيد:
لقد تحوّل إبليس من صفوف الجنّ العابدين لله تعالى، ومن منزلة الملائكة المكرّمين الّتي أعطاه الله تعالى إياها لحسن عبادته، إلى منزلة الصاغرين والشياطين، وذلك بسبب استكباره ومنازعته لكبرياء الله العزيز الجبّار، وإصراره على رفض الأمر الإلهيّ بالسجود لآدم عليه السلام.

وقد سرد لنا النصّ القرآني الحوار الذي جرى بين الله تعالى وإبليس، لكي نعتبر من عواقب تمرّد إبليس على الأوامر الإلهيّة. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِين1.

وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يدعونا إلى التأمُّل والاعتبار من هذه القصّة: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد الجميل، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يُدرى أمِن سنيّ الدنيا أم مِن سنيّ الآخرة عن كِبَر ساعة واحدة"2.
عداوة الشيطان للإنسان
منذ لحظة انتماء إبليس اللعين إلى عالم الشياطين، أصبح عدوّاً للإنسان وبدأ يتوعّده بإغوائه عن طاعة الله تعالى من جميع الجهات والأحوال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ3.
بل لم يكتفِ إبليس بهذا الوعيد فقط حتّى أنّه أقسم بربّ العزّة على إضلال الناس وغوايتهم، إذ قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم"4.

ولذا فإنّ ربّ العزّة والجلال قد حذّرنا مراراً في محكم كتابه العزيز من وسوسة الشيطان ومكائده، قائلاً: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ5، وقائلاً: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينً6.

بل قد نهانا المولى عزَّ وجلَّ عن اتّباع الشيطان وما يزيّنه لنا من ملذّات الدنيا وشهواتها، لأنّه عدوّنا وباتّباعه وتصديقه سوف يأمرنا بمعصية الله وارتكاب الفحشاء والمنكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ7، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ8.

هذا وقد دعانا الله تعالى إلى عبادته وحده فقط، وأن لا نعبد الشيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين9.

يروي الإمام عليّ عليه السلام: "أنّ رجلاً كان يتعبّد في صومعة، وأنّ امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها، فزيّنت له نفسه فوقع عليها، فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنّهم إن ظهروا عليك افتضحت، فقتلها ودفنها، فجاؤوه فأخذوه فذهبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إنّي أنا الّذي زيّنت لك فاسجد لي سجدة أُنجيك، فسجد له، فذلك قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"10.

كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد نبّهنا على ذلك، عندما قال: "احذروا عدوّاً نفذ في الصدور خفيّاً، ونفث في الآذان نجيّاً"11. وكذلك ما نقرؤه في مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين عليه السلام: "إلهي أشكو إليك عدوّاً يُضلّني، وشيطاناً يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يُعاضد لي الهوى، ويُزيّن لي حبّ الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى"12.

إلّا أنّه بالرغم من تكرار التحذير الإلهيّ وإرشادات أهل البيت عليهم السلام لنا وتنبيهنا من خطورة عداوة الشيطان، فإنّ الله جلَّ جلاله قال في الكتاب العزيز:﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور13، ما يعني أن أكثرنا عرضةٌ للسقوط في مكائد الشيطان الرجيم، ومن ثمّ الانحراف عن الخطّ المستقيم، ونصبح من عداد المغضوب عليهم ومن الّذين قد ضلّوا طريق الحقّ، مع أنّنا ندعو الله سبحانه في صلاتنا اليوميّة لهدايتنا للصراط المستقيم، ونستعين به عزَّ وجلَّ على ذلك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ14.

ولكنّ رحمة الله تعالى ولطفه بنا أكبر من مكائد الشيطان، قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل15، وقال: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ16.
والمؤمنون المخلصون لله تعالى لا سلطان للشيطان عليهم، كما يقول المولى تعالى:﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ 17.

إلّا أنّه لا بدَّ أن نخاطب أنفسنا: من هؤلاء الذين يغويهم الشيطان ويتمكّن منهم؟ وكيف يكون له ذلك؟ هل لقوّة مكر الشيطان أم لضعف إيمان الإنسان؟ أم الأمرين معاً؟!

مكائد الشيطان وتسلطه على الإنسان
إنّ وسوسة الشيطان ومكائده لا تقتصر فقط على المشركين والمنافقين، بل نشاطه الشيطانيّ تجاه المؤمنين بالله تعالى أكثر من غيرهم، حيث بمجرّد أن يجد نقطة ضعف لديهم، فإنّه يستغلّ الفرص، ويأتي بحيل مختلفة، فيُلقي عليهم حبال مكائده ويُسوّل لهم، وما إن يستدرجهم إلى فخّ الإغواء حتّى يُملي عليهم ما يُريده. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ18، وقال أيضاً: vالشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ19، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورً20.

ويقول الإمام عليّ عليه السلام: "أُقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّ الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخنى والمأثم، حبّب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار"21.

ومن صور مكائد الشيطان ووسوسته الخبيثة والماكرة، نذكر ما يلي:
1- إنّ أعظم عمل يقوم به المؤمن فينزعج منه الشيطان ويتفجّر غضباً، هو ذكر الله تعالى وطلب المغفرة منه، لأنّه فيه مطردة للشيطان كما يقول الإمام عليّ عليه السلام: "ذكر الله مطردة الشيطان"22.

لذا فإنّ الشيطان وحزبه يضعون كلّ مكائدهم وحيلهم في سبيل منع ذكر الله تعالى، والاستحواذ على المؤمن وجعله يعيش حالة الغفلة والخسران. قال تعالى: ﴿سْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ23.

أمّا الذين يذكرون الله تعالى ويستغفرونه، حتماً فإنّ المعادلة الإلهيّة معهم مختلفة تماماً، قال الله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ24.

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً...
صعد إبليس جبلاً بمكّة يُقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا لِمَ دعوتنا؟
قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟
فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا،
قال: لست لها،
فقام آخر فقال مثل ذلك،
فقال: لست لها،
فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها،
قال: بماذا؟
قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أَنسيتُهم الاستغفار،
فقال: أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة
"25.

لذا لا بُدَّ من المداومة على ذكر الله تعالى على كلّ حال، لكي لا نترك للشيطان وحزبه أيّ منفذ أو نقطة ضعف فينا فيستغلّها، قال الإمام الصادق عليه السلام: "ما من شيء إلّا وله حدّ ينتهي إليه إلّا الذكر، فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض الله عزَّ وجلَّ الفرائض فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، وشهر رمضان فمن صامه فهو حدّه والحجّ فمن حجّ فهو حدّه، إلّا الذكر فإنّ الله عزَّ وجلَّ لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ثمّ تلا هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيل"26.

2- إغراء الإنسان بارتكاب الذنوب والمعاصي، وذلك عبر تزيين الأعمال السيّئة على أنّها أعمال حسنة، كما قال تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا..27.

أو استصغار الذنوب واستحقارها، وتصويرها على أنّ القيام بها لا يضرّ ولا يعجّل العقاب الإلهيّ وسخطه، يروي الإمام الكاظم عليه السلام: "إنّ المسيح عليه السلام قال للحواريّين: إنّ صغار الذنوب ومحقّراتها من مكائد إبليس، يُحقّرها لكم ويُصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم".

يقول الإمام الصادق عليه السلام: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ائتوا بحطب.
فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب.
قال: فليأت كلّ إنسان بما قُدِّر عليه، فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب: ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ.

ويروي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بينما موسى عليه السلام جالساً إذ أقبل إبليس...
قال موسى عليه السلام: فأخبرني بالذنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذتَ عليه؟
قال إبليس:" إذا أعجَبته نفسه، واستكثر عمله، وصغُر في عينه ذنبه"28.

نُلاحظ في الرواية أنّ إبليس اللعين يتحدّث عن العُجب، وهي مسألة في غاية الخطورة، لا سيّما أنّ الشيطان لا يأتي المؤمن من جهة إغوائه بالزنا أو السرقة وما شابه ذلك، لأنّ الشيطان يُدرك أنّ المؤمن يخاف الله سبحانه ولا يُمكن ببساطة أن يعصي الله في هكذا أمور، لذا الشيطان يأتيه من باب آخر أكثر حساسيّة بالنسبة للمؤمن، وهو باب الإعجاب بالنفس والإعجاب بعبادته لله وطاعته، فضلاً عن حبّ الإطراء والمديح، ويرى نفسه مستحقّاً للثناء ويمنّ على الله بأن يعطيه الأجر والثواب، اعتقاداً منه بأنّه أصبح في مقام المقرّبين لله وخاصّته.

وهذا ما حذّر منه أمير المؤمنين عليه السلام - في كتابه للأشتر - قائلاً: "إيّاك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يُعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين"29.

وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: "أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك".
ولذا لا ننسَ أن نردّد دوماً دعاء سيّد الساجدين عليه السلام: "اللّهمّ!... وأعوذ بك من نفس لا تقنع"، لأنّ النفس والعياذ بالله كما يصفها القرآن: ﴿.. إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ30.

3- كما إنّ من مصائد الشيطان ومكائده، خداع الإنسان ودفعه نحو حضور مجالس اللّهو والغناء، ومجالس البطّالين، ومجالس تضييع الوقت والعمر بلا فائدة تُذكر غير إحصاء عثرات الناس وكشف عوراتهم، وما انتشار ظاهرة ما يُسمّى بـ(سهرات الأرجيلة) إلّا نموذجاً سيّئاً جدّاً في أيّامنا هذه، لا سيّما أنّه اعتاد عليها- للأسف الشديد - المؤمنون والمؤمنات أكثر من غيرهم وبشكل واسع جدّاً ومستغرب، الأمر الّذي يعكس صورة سلبيّة عن كيفيّة تمضية هؤلاء لأوقات راحتهم والترفيه عن أنفسهم، تلك الأوقات المقدّسة الّتي أرادها لنا الإسلام أن تكون متنفّساً لنا من ضغوط الحياة ومشقّاتها، وأن نستعيد فيها طاقتنا الإيمانيّة والجسديّة ونجدّدهما، لكي ننطلق مجدّداً من رحاب طاعة الله إلى رحاب طاعة الله.

هكذا أراد الإسلام من المؤمن، حتّى في وقت راحته أن يكون في طاعة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ساعة تمرّ بابن آدم لم يُذكر الله فيها إلّا حسر عليها يوم القيامة"31.